الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الأرض قرارا ومهادا وفراشا وبساطا ألقى فيها رواسي أن تميد بكم وجعل السماء سقفا محفوظا
أما بعد
(أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لايجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا وأن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولايغرنكم بالله الغرور) .
عباد الله لو تأملتم في هذا الكون ومايجري فيه من العبر لعرفتم عظمة خالقه وأدركتم أنه لم يخلق عبثا وأنكم لن تتركوا سدى ولعرفتم تقصيركم في حق خالقكم وغفلتكم عن ذكره وشكره ، ومن نعم الله عليكم أن مكنكم من هذه الأرض تعيشون على ظهرها و تدفنون في بطنها
( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) ( فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) .
( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) .
ومن رحمته ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا ) وقال ( وألقى فيها رواسي أن تميد بكم ) .
قال ابن القيم ثم تأمل خلق الأرض على ماهي عليه حين خلقها واقفة ساكنة لتكون مهادا ومستقرا للحيوان والنبات والأمتعة وليتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربها والجلوس لراحتهم والنوم لهدوئهم والتمكن من أعمالهم ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قرارا ولاهدوءا ولاثبت لهم عليها بناء ولأمكنهم عليها صناعة ولاتجارة ولاحراثة ولامصلحة وكيف كانوا يتهنون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم واعتبروا ذلك بما يصيبهم من الزلازل على قلة وقتها كيف تضطرهم إلى ترك منازلهم والهرب عنها .
أيها الأخوة
إن كثير من الناس الغافلين يعدون أن وقوع الزلازل ظواهر طبيعية لها أسباب معروفة لاعلاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم . فنقول إن الزلازل لها أسبابها التي قدرها أن تكون سببا ولها مسبباتها .
فما هي أسباب الزلازل .
سئل شيخ الإسلام عن ذلك فأجاب رحمه الله ( الحمد لله رب العالمين الزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث لها أسباب وحكم فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمه ذلك
وأما أسبابه فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق فإذا انضغط طلب مخرجا فيشق ويزلزل ماقرب منه من الأرض .
وقال ابن القيم ( ولما كانت الرياح تجول فيها ( أي الأرض ) وتدخل في تجاويفها وتحدث فيها الأبخرة وتخفق الرياح ويتعذر عليها المنفذ أذن الله سبحانه لها في الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام
فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم ) .
أيها الأخوة
إن كثرة الزلازل وتتابعها من علامات الساعة التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لاتقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ) .
وروى الإمام بسند صحيح عن سلمة بن نفيل قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه فقال أني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا وستأتون ـــ يفنى بعضكم بعضا وبين يدي الساعة ـــ شديد وبعده سنوات الزلازل .
هل الزلزال غضب من الله أم إنذار وتحذير أو هو بلاء ?
الزلازل آية دالة على وحدانيته وقدرته سبحانه وتعالى والزلازل تخويفا وعظمة من الله لعبادة .
وقد تكون غضبا وانتقاما من الكافرين وقد تكون عذابا في الدنيا للمسلمين ورحمة لهم في الآخرة وابتلاء لأهل القتل بالهدم وقد تكون تذكير أو إشارة ليوم القيامة يوم الزلزلة الكبرى .
الزلازل آية باهرة تدل على قدرة الله ووحدانيته فالعباد تحت قبضته ، وتحت رحمته .
خلق لهم الأرض وأنعم بها عليهم وجعل فيها معايشهم وأرزاقهم ولكن انظر لحظة اضطرابها وزلزلتها بعد إن كانت ساكنة مطمئنة لترى بنفسك الدلائل والواضحات على قدرة الخالق سبحانه وإرادته وحكمته ووحدانيته .
ثم تأمل عظمته سبحانه وأن مقاليد الأمور بيده فيمن نجا كيف نجا وفيمن هلك كيف هلك لترى بنفسك مدى القدرة الإلهية .والزلازل تخويف وعظة .
وظهورها وعيد من الله لأهل الأرض قال تعالى ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) ولما رجفت الأرض في الكوفة . قال ابن مسعود أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه ) .
أي يطلبكم الرجوع عن الإساءة واسترضائه فافعلوا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الريح الشديدة عرف في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخويف المفضي إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك ولاسيما وقد لقى الخبر أن أكثر الزلازل من شرط الساعة .
وقد تكون الزلازل غضبا وانتقاما
( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وماكان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .
وقال تعالى في قوم شعيب ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ) .
والرجفة هي الزلازل الشديدة .
قال عمر بن عبدالعزيز ( إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد ) .
وقد تكون الزلازل عذاب في الدنيا وتطهيرا ورحمة للمسلمين .
فعن أي موسى قال : قال رسول الله أمتي هذه أمة رحومة ليس بها عذاب في الآخرة وعذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل ) رواه أبو داوود وأحمد بسند صحيح .
وقد تكون ابتلاء لأهل القتل بالهدم .
وقد دلت الأحاديث على أن صاحب الهدم ترجو له الشهادة فعن أبي هريرة ( الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله ) خ م .
الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله وذكر منهم الذي يموت تحت الهدم شهيدا ) رواه أبو داوود والنسائي بسند صحيح .
أيها الأخوة هذه الزلازل تذكرنا بيوم الزلزلة الكبرى ( يوم القيامة لاريب فيه ) ( يوم الآزفة إل القلوب لدى الحناجر كاظمين )( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) .
إنه يوم الزلزلة ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) .
( وإذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا )
( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) .
( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها .... )
أيها الأخوة
ماكانت الزلزلة إلا عند شيء أحدثه الخلق ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) .
( من يعمل سوءا يجز به )
( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس لنذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) .
فالذنوب والمعاصي سبب كل بلية ومصيبة فهل اتعظنا واعتبرنا .
قال ابن القيم ( ومن تأثير المعاصي في الأرض مايحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها ) .
وعن صفية بنت أبي عبيد قالت زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر فخطب عمر الناس فقال أحدثتم لقد عجلتم لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم .
قال كعب ( إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي فترعد فرقا من الله جل جلاله أن يطلع عليها ) .
وفي رواية ( تزلزلت الأرض على عهد عمر فقال أيها الناس ماكانت هذه الزلزلة إلا عند شيء أحدثتموه والذي نفسي بيده إن عادت لا أساكنكم فيها أبدا ) رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
نعم والله ماكانت الزلزلة إلا عن شيء أحدثناه وما أكثر المحدثات والمحالفات إن ذنوبا جسيمة جلبت علينا الكوارث والمحن والمصائب والويلات التي تهددنا وتهدد العالم أجمع بالخراب .
فاحذروا الذنوب احذروا الربا
احذروا الزنا
احذروا ترك الصلاة
احذروا الغناء
احذروا الظلم
وبخس المكاييل والموازيين
احذروا خذلان أخوانكم المسلمين في كل مكان ..
مالواجب او السنة عند الزلازل
قال شيخ الإسلام ( السنة في أسباب الخير والشر أن يفعل العبد عند أسباب الخير الظاهرة والأعمال الصالحة مايجلب الله به الخير وعند أسباب الشر الظاهرة من العبادات مايدفع الله به عنه الشر ..
ومن ذلك الصلاة عند الزلازل قال ابن قدامه يصلى للزلزلة كصلاة الكسوف .
وصلى ابن عباس للزلزلة بالبصرة . رواه البيهقي بسند صحيح.
ولكن لاتشرع لها الجماعة ولكن تصلى فرادى .
ومن ذلك التوبة والندم .إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه .
ومن ذلك الذكر والدعاء والاستغفار قال القسطلاني
ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها كالصواعق والريح الشديدة والخسف .
قال السيوطي ( ومما يستحب عند الزلزلة ( الدعاء والتضرع ) . ومما يشرع الصدقة .
فعن جعفر بن بركان قال قال كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز في زلزلة كانت بالشام أن أخرجوا يوم الاثنين من شهر كذ وكذا ومن استطاع منكم أن يخرج صدقة فليفعل فإن الله تعالى يقول ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) .
ومما يستحب تذكير الناس ووعظهم كما خطب عمر لما وقعت الزلزلة بل استحب السيوطي للإمام الأعظم أن يخطب عند الزلزلة فقال ( ولو قيل باستحبابها أي الخطبة للإمام الأعظم خاصه لم يبعد ..